الثوابت الوطنية هي الأسس والمبادئ والقيم الثابتة التي تقوم عليها الدولة، المستقرة في ضمير وعقيدة أبناء الوطن المتوارثة أباً عن جد، فهي موروث وطني تاريخي يحدد الهوية والانتماء، لذلك ينبغي عند تحديدها أن ترتكز على أسس الهوية البحرينية الجامعة، والشعور الوطني الصادق الذي يعزز الوحدة الوطنية، ويحافظ على وحدة الشعب وتماسك الدولة وبقائها. فهي مجموعة من المصالح والأهداف المشتركة التي ينبغي اجتماع كلمة الأمة حولها بحيث تمثل مسلمات وثوابت مرجعية للدولة الوطنية بجميع مكوناتها أو تركيباتها أو مذاهبها أو عقائدها، بحث لا يغيرها أي تطور سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، فتكون تلك الثوابت هي الأساس الذي تبنى عليه استراتيجيات العمل الوطني الداخلي وآليات التعامل مع المجتمع الخارجي.
ويمكن القول إن الثوابت الوطنية تنقسم إلى قسمين:
الأول: ثوابت وطنية لا تتبدل أو تتغير مهما تبدلت الظروف والأزمنة، وينبغي ترسيخها في وجدان وضمير أبناء الوطن على مر العصور، ويجب أن تكون محل إجماع من الشعب البحريني بجميع مكوناته، ومثال تلك الثوابت نظام الحكم الملكي والدين الإسلامي، ومبادئ الحرية والمساواة والعدالة.
الثاني: ثوابت وطنية قابلة للتغيير والتطوير بما يتناسب مع تغَّير ظروف الزمان والمكان على ألا ينال هذا التغيير من جوهرها الرئيسي، مثل حرية ممارسة الشعائر الدينية، ومبدأ المواطنة.
وفى إطار هذا الفهم يمكن الاتفاق على عدد من الثوابت الوطنية الأساسية على النحو الآتي:
1. النظام الملكي:
حكم مملكة البحرين ملكي وراثي دستوري. وملك البلاد هو رأس الدولة، ورمز هويتها المستقلة، والممثل الأسمى لها، وذاته مصونة لا تمس. فالبحرين بناها الأجداد منذ مئات السنين وتوارث هذا البناء حكام آل خليفة الكرام أباً عن جد، والنظام الملكي الوراثي من الثوابت الوطنية التي قامت عليها البحرين خلال تاريخها الطويل وجميع الأجيال السابقة ارتضت ذلك.
2. السيادة الوطنية:
إن المحافظة على سيادة الوطن وسلامة أراضيه أحد أهم الثوابت الوطنية التي ينبغي المحافظة عليها، فالمصالح العليا للوطن، والمحافظة على أمنه الداخلي والخارجي، وعدم الانتماء للخارج واجبات أساسية على كل مواطن، فلا انتماء إلا للبحرين، ولا ولاء إلا للوطن مهما اختلفت المعتقدات أو المذاهب أو الأفكار.
3. الدين الإسلامي:
مملكة البحرين جزء من العالم الإسلامي تسعى بكل جهد لتقوية الروابط مع العديد من البلدان الإسلامية، فقد كانت البحرين من أوائل من استجاب للدعوة الإسلامية، ودخل أهلها في دين الله طوعاً واقتناعاً، كما كانت وما تزال من أوائل المدافعين عن الدين الإسلامي، وكان لشعب البحرين إسهاماته الهامة في امتداد الإشعاع الحضاري للإسلام في جميع أنحاء العالم، كما ترسخت في وجدان البحرينيين قيم الحضارة الإسلامية بما تمثله من سماحة وعدالة وتقوى. وقد أكد ميثاق العمل الوطني ونصوص دستور مملكة البحرين على هذا الثابت الوطني من خلال ما نص عليه من أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وأن من واجبات الدولة صيانة التراث الإسلامي، وأن ترعى التربية الدينية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه. كما وضع الميثاق والدستور حداً لممارسة الحقوق والحريات كحرية الرأي والبحث العلمي والصحافة والطباعة والنشر وتكوين الجمعيات والنقابات يتمثل في عدم جواز مساس ذلك بأسس العقيدة الإسلامية. ولذلك، فإن الدين الإسلامي يعد من الثوابت الوطنية الأساسية التي يجب المحافظة عليها وترسيخها في وجدان المجتمع وضمير الشعب، مع الوضع في عين الاعتبار أن الدين الإسلامي يتسع لكافة الأفكار والمذاهب الإسلامية والرؤى والتي تجتمع كلها تحت راية هذا الدين العظيم. ولا يعني اعتماد الدين الإسلامي كثابت أساسي من ثوابت الدولة الوطنية إنكار بقية الأديان والمعتقدات الأخرى التي قد تتواجد في المجتمع أو تقييد ممارسة الشعائر الدينية لبعض الفئات، ولكن يعني ذلك أن الدين الإسلامي هو الإطار العام والدين الرسمي للدولة وللغالبية العظمى من أبناء الوطن.
4. ميثاق العمل الوطني والدستور:
يعد ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين من المنطلقات الأساسية في تحديد الثوابت الوطنية، فقد أجمع شعب البحرين على ميثاق العمل الوطني الذي حدد عدداً من الثوابت الوطنية والمبادئ العظيمة والقيم الرفيعة التي يقوم عليها المجتمع في كافة المناحي والمجالات. كما جاء الدستور لينظم سلطات الدولة المختلفة ويحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطار ما ورد في الميثاق من أسس وثوابت، فوضع الخطوط العريضة لها، وجرّم المساس بها أو تغييرها، وأجاز تنظيم هذه الثوابت الوطنية وتفصيلها من خلال القوانين التي يقرها الشعب عن طريق المجلس الوطني. كما جرّم الدستور بعبارات واضحة المساس بعدد من الثوابت الوطنية فلم يجز تعديل النظام الملكي الوراثي، والدين الرسمي للبلاد، ومبادئ الحرية والمساواة، ونظام المجلسين. وبناءً على ذلك فإن احترام الثوابت الوطنية الواردة في الميثاق والدستور أمر واجب على جميع أبناء الوطن، فلا يجوز الخروج عليها أو المطالبة بتغييرها بما ينال منها.
5. الوحدة الوطنية:
تعد الوحدة الوطنية من أهم الثوابت الوطنية التي تحرص عليها مملكة البحرين قيادة وشعباً، فالوحدة الوطنية إحدى أهم مقومات أي وطن قوي ومتماسك، وفي ظل ما تتعرض له البحرين من مخاطر داخلية وخارجية، تستهدف المساس بوحدة شعبها، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد، يصبح التمسك بالوحدة الوطنية، والعمل على تعزيزها كأحد ثوابت الأمة مرتكزات للحفاظ على المجتمع والدولة، وحائط الصد المنيع ضد كل مهددات الأمن والاستقرار الداخلي.
6. العادات والتقاليد الأصيلة:
العادات والتقاليد البحرينية الأصيلة هي ثقافة أمة ومجتمع، توارثها الآباء والأجداد عبر عشرات السنين. ومن الضروري التمسك والاعتزاز بها والحفاظ عليها والدفاع عنها لأنها اختيار المجتمع بكل فئاته واتجاهاته، فهي تؤثر في تحديد الهوية الفريدة والمتميزة للمواطن البحريني، كما أنها تؤثر في زيادة الولاء والانتماء للوطن. ولا شك أن تلك العادات لا تقع تحت حصر، فهي سلوك مجتمعي متـأصل ومتوارث في جميع مناحي الحياة، فهي تنظم الآداب العامة والعلاقات الاجتماعية والثقافية وتجمع بين أبناء الوطن على أسس من التواصل والتراحم، كما أنها تنظم علاقة الشعب مع الحاكم ومع جميع شعوب العالم.
7. التعايش السلمي والاعتراف بالآخر والتعدديةالثقافية:
من السمات المميزة لشعب البحرين والتي اكتسبها عبر تطوره التاريخي والحضاري الطويل وأصبحت جزءاً من هويته الأصيلة انفتاحه على الآخر، والرغبة في السعي للعيش في سلام ووئام مع جميع شعوب الأرض، كما قبلت البحرين حرية تعدد الأفكار والمعتقدات في إطار من التنوع الثقافي والتسامح الروحي والفكري.
8. حرية ممارسة الشعائر الدينية:
في ظل ما يمر به العالم والإقليم وما واجهته مملكة البحرين من أزمات داخلية في السنوات الأخيرة استوجب توجيه المزيد من العناية والتركيز بأحد الثوابت الوطنية الأساسية، وهو ضرورة احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين على اختلاف دياناتهم وعقائدهم ومذاهبهم مع مراعاة الأعراف المتبعة في البلاد وبما لا يخالف النظام العام.
9. الانتماء الخليجي والعربي:
مملكة البحرين جزء من منظومة العمل الخليجي، وتؤمن بوحدة الهدف والمصير في إطار العمل المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وإقليم البحرين جزء من الوطن العربي الكبير، وشعبها جزء من الأمة العربية، وقد أكد شعبها الكريم حرصه على عروبته في كثير من المواقف، فعروبة البحرين وانتماؤها العربي هو أمر ليس محل جدل أو نقاش.
10. اللغة العربية:
اللغة جزء لا يتجزأ من شخصية الدولة ذاتها، تعبر عن وعيها الجمعي ووحدة وتماسك أبنائها، فهي المستودع الأمين للهوية والانتماء، ووعاء الثقافة والتراث، ومظهر للحضارة والتقدم، ولذلك لا بقاء لهوية ولا ترسيخ لولاء دون الاهتمام ببقاء لغة الدولة الرئيسة، فهي أحد الأدوات الرئيسة لتوثيق الارتباط بالوطن وزيادة الولاء والانتماء له.
والبحرين دينها الإسلام وانتماؤها عربي ولذلك فإن لغتها الأم هي اللغة العربية التي يتحدثها أهلها منذ مئات السنين، لذلك فإن حماية اللغة العربية والاهتمام بها واجب أساسي يقع على عاتق الدولة باعتبارها أحد الثوابت الوطنية التي لا تحيد عنها، خصوصاً في ظل ما تتعرض له تلك اللغة من محاولات تشويه وتغريب وتنافس من لغات ولهجات أخرى.